تنازل أتليتيكو مدريد الإسباني عن عرش الدوري الأوروبي "يوروبا ليغ"، رغم فوزه اليوم الخميس على أرض منافسه روبن كازان بهدف نظيف لم يكن كافياً لكي لا يودع المسابقة من دورها الـ32.
ووقّع هدف المباراة الوحيد الكولمبي راداميل فالكاو في الدقيقة 83.
وكانت مباراة الذهاب على أرض فيسنتي كالديرون في العاصمة الإسبانية مدريد، قد انتهت روسية البصمة بنتيجة (2-0)، ليحقّق روبن كازان أوّل تأهل إلى دور الـ 16 من مجموع 4 مناسبات وجد فيها ضمن الدور 32 من المسابقة، فيما يعدّ هذا الانسحاب مراً لأتليتيكو خاصة أنّه أكمل موسماً مميّزاً بحصوله على لقب "يوروبا ليغ" إضافة إلى كأس السوبر الأوروبي بفوز ثقيل على تشلسي بنتيجة (4-1).
ظرف حرج
دخل أتليتيكو مدريد الإسباني لقاء العودة في روسيا مثقلاً بجراح الهزيمة القاسية التي تكبّدها في موقعة الذهاب في "فيسنتي كالديرون"، وكان أمام تهديد مباشر وصريح بفقدان لقبه في دور مبكّر، وهو ما يمكن أن يمثّل صفعة موجعة لأبناء المدرب الأرجنتيني دييغو سيميوني.
وعانى النادي الثاني في العاصمة مدريد من حالة إرهاق وتعب شديدة نظراً لمحاربته على أكثر من جبهة (الدوري والكأس محلياً واليوروبا ليغ قارياً)، بالمقابل يتمتّع خصمه روبن كازان بانتعاشة على المستوى البدني لاستفادته من وضع توقّف الدوري في روسيا.
شوط خجول
عقب تحقيقه فوزاً عريضاً استقرّ على ثلاثية على حساب مضيفه بلد الوليد ضمن الأسبوع الرابع والعشرين من الدوري الإسباني الأحد الماضي، كان من المنتظر أن يستفيد البطل من هذه الجرعة المعنوية ويدخل مواجهة كازان بأكثر تحفيز، لتفادي إصابتي الذهاب اللتين وقّع عليهما غوكدينيز كارادينيز و"شقيق الدم" ولاعب أتليتيك بلباو السابق بابلو أوربايز، إلاّ أنّ معطيات البداية على الأراضي الروسية كانت منافية تماماً لما كان متوقّعاً.
استهلّ أتليتيكو المباراة -أمام مدرجات شبه خالية- بمجموعة من الغيابات المؤثرة يبقى أهمّها الخماسي الأساسي غابريال فيرنانديز أريناس الملقّب بـ"غابي"، خوان فران، لويز فيليبي، تياغو كوستا، دييغو غودين، ما جعل مسألة فرض ألوانه أمراً صعباً للغاية لتصطبغ محاولاته النّادرة في هذا الشوط بصفتي الخجل والعقم، ونذكر منها ثلاث محاولات فقط بإمكاننا أن نطلق عليها صفة "الفرصة".
كانت الفرصة الأولى بتوقيع الهداف التاريخي للمسابقة، الكولمبي راداميل فالكاو الذي حاول مباغتة الرّوس بهدف افتتاحي يحرّر الأرجل غير أنّ تسديدته اليمينية وجدت أمامها الحارس الروسي سيرغاي ريزيكوف ليضعها في الركنية (3)، وشهدت المباراة بعد ذلك حالة من السبات لتستفيق على تسديدة عشوائية بقدم راؤول غارسيا مرّت بجانب القائم (30).
حالة الشلل شبه التام التي ظهر عليها الفريق الإسباني أثرت على ما يبدو في الحارس ريزيكوف الذي ساهم عدم تركيزه وسوء تقديره في حصول خطأ فادح كاد يهدي هدف التقدّم من عدم للضيف، إلاّ أنّ دفاع كازان تفادى الخطأ المميت في الوقت المناسب (38).
شوط أول بمستوى فنّي ما دون المتوسّط، ساهم فيه "عقم" الأتليتيكو مع "تشبّث" أصحاب الأرض بمعسكره الدفاعي، ولم نشاهد فيه أية لوحات تذكر غير تحرّكات النشيط الدولي "أدريان لوبيز" التي ذهبت أدراج الرياح لعدم استثمارها.
تعقّد المهمّة
النتيجة البيضاء التي دل عليها الشوط الأول لم تؤكّد في فحواها، غير معطى أساسي ألا وهو تعقّد المهمّة على الـ"روخي بلانكوس" الذي قدّم شوطاً هزيلاً وسط تأثيرات "الصقيع" والغيابات المؤثرة، وحتى "النّمر" الكولمبي هدّاف المسابقة بمجموع 30 هدفاً منها 17 بقميص بورتو البرتغالي، لم يكن في أحسن حالاته.
علاوة على ذلك تأتي المعطيات الإحصائية لتدعّم صعوبة تلافي الخروج من الباب الضيّق، فروبن كازان لم ينحنِ على أرضه طول 20 مباراة على الصعيد الأوروبي (دوري الأبطال ويوروبا ليغ) سوى في مناسبتين فقط، تبعتها 9 انتصارات ومثلها تعادلات.
كما أنّ الحقيقة التي من الممكن أن يتفاجأ بها كثيرون، هي أنّ روبن كازان أقوى من أتليتيكو بمنطق الأرقام في المسابقة هذا الموسم، حيث سجّل الفريق الروسي 10 أهداف وقبل في مرماه 3 أهداف فقط، فيما لم يتمكّن حامل لقبين من آخر ثلاثة في مسابقة "يوروبا ليغ" - والحديث عن النادي الإسباني - إلاّ من تدوين 7 أهداف وتلقّي شباكه لأربع إصابات.
"رصاصة رحمة" مؤجّلة
بداية الشوط الثاني كانت ستحمل في طياتها أهم سيناريو لهذه المواجهة حيث بدا أنّ المستوى الفنّي للقاء قد شهد تحسّناً ملحوظاً لا سيما أنّ أهل الدّار بادروا بالتحرّك وغادروا بعض الشيء مناطقهم الخلفية التي التصقوا بها كثيراً في النصف الأول من الحوار.
ومن تباطؤ واضح للمدافع البرازيلي جواو ميراندا في التعامل مع كرة سهلة، استثمر المهاجم الفينزويلي لروبن كازان خوسيه سالومون روندون الفرصة واختطف الكرة لينفرد بالحارس سيرخيو أسينخو وسدّد كرة قوية لكن الأخير أبدع في التصدّي (59).
الفرصة الحقيقية الأبرز في المباراة التي كانت من جانب المحليين، ساهمت في استفزاز الزوّار الذين ردّوا الفعل من خلال مناورة ذكية من المهاجم ساؤول نيغيز إسكالبز الذي نجح في التخلّص من حصار لثلاثة مدافعين قبل أن يسدّد كرة اصطدمت في مدافع رابع وحرمت أتليتيكو من التوقيع على الهدف الافتتاحي (65).
يقظة متأخّرة ووداع
مع اقتراب المباراة من وقتها الميّت بدا أنّ سيناريو خروج البطل يلوح بوضوح، فالسفير الإسباني كان يصارع الزّمن والمنافس إضافة إلى عوامل البرد والإرهاق، غير أنّ "وصيف الليغا" أمّن بحظوظه إلى النهاية وتمكّن من إحراز هدف أوّل متأخّر جداً من هدافه الكولمبي فالكاو الذي وقّع هدفه الـ31 في رصيده ضمن المسابقة، إثر مجهود فردي رائع من أفضل لاعب إسباني في اللقاء أدريان لوبيز (83).
ما تبقى من الشوط الثاني لم يشهد أية مستجدّات تذكر غير حصول مدافع روبن كازان وقائده الإسباني سيزار نافاس على بطاقة حمراء (89)، لم تغيّر شيئاً من الواقع الأليم للفريق الإسباني الذي ودّع لقبه بمرارة كبيرة.
أتلتيكو عجز عن لملمة شتاته
من تابع مباراة أتلتيكو أمام مضيفه الروسي روبن كازان لن يصعب عليه الشعور بحالة الشتات التي كان يعانيها الفريق الإسباني، والتي كانت منطقية نظراً إلى كم الرّهانات التي يعيش في خضمّها النادي الإسباني، فسيميوني الذي اضطرب جرّاء كثرة الأقاويل في شأن مسألة تجديد عقده مع الفريق، كان بدوره مشتّتاً لكثرة الجبهات التي يحارب عليها، ففي "لا ليغا" هو مطالب بالحفاظ على وصافته للمتصدّر برشلونة لضمان مقعد أوروبي ضمن نخبة أندية القارة الموسم المقبل.
أما في مسابقة كأس الملك فمازال أيضاً تحت حتمية مواصلة المسير من بوّابة نادي إشبيلية الذي يلتقيه هذا الأربعاء في إياب الدور نصف النهائي على أرض "سانشيز بيزخوان" الصعبة، علماً بأنه تقدّم ذهاباً بأفضلية هدفين لهدف واحد.
ضغط الجبهتين المحليتين كان كفيلاً وحده بتكبيد الفريق التضحية بأحد الجبهات هذا الموسم، وجاء السقوط أمام كازان في مدريد ليرشّح تاج الـ"يوروبا ليغ" للضياع.